MeMoRiEs

Tuesday, October 03, 2006

أغراب



حدث لي هذا الموقف من عدة أسابيع:


كنت قد قررت زيارة صديق لي في منطقة بعيدة عن محيط القاهرة الكبرى , في منطقة تقع على طريق مصر الاسماعيلية فإتصلت بأحد أصدقائي لكي يذهب معي , وصديقي هذا من الأشخاص الملتزمين جدا في حياته , حتى أنه مطلق للحيته وغالبا ما يلبس الجلباب والسروال وانا لا يضيرني في مظهره شيء لأنه كلما جلست معه أجده ضحوكا بشوشا ونتكلم في شتى المواضيع , في حين انك لأول وهلة يمكن ان تعتقد من مظهره انه متطرف فكريا او ارهابي كما يريد إعلامنا الموجه أن يقنعنا بأن اي شخص مطلق للحيته ويلبس الجلباب الأبيض والسروال هو شخص إرهابي.

ذهبت إليه بعد أن إتفقنا وإنتظرته في السيارة فترة طويلة نوعا ما, وكنت قد أستغربت الأمر لأنه نادرا ما يتأخر, وبعد برهة من الوقت رأيته قادما نحوي وقد خلع جلبابه وإرتدى قميصا وبنطلونا.

فنظرت له مبتسما وأنا أدير السيارة وقلت له:

- يعني قلعت الجلابية

فنظر لي نظرة غريبة فيها مسحة حزن وقال لي :


- إستنى , إطفي العربية عايز أسألك على حاجة

تفاجأت من طلبه الغريب ولكني إستجبت له وأدرت المفتاح لأطفئ السيارة , وإستدرت ودار بيننا هذا الحديث :

- مالك في إيه ؟

- قلقان

- من إيه يابني

- يعني مانت عارف المكان اللي قاعد فيه محمود بعيد على أطراف البلد ...الطريق طويل وخطر

إندهشت كثيرا مما أسمعه وقلت له :

- خطر إزاي يعني ؟

- يعني الطريق ده بالذات مليان كماين

- طيب وفيها أيه .. هوة انت عامل حاجة لا سمح الله ..وبعدين انت مش معاك بطاقتك وموقفك من التجنيد ... يعني محدش له عندك حاجة

رأيت على جانب شفتيه شبح إبتسامة ساخرة .. وقال لي :

- يعني انت عارف....... دقني طويلة والبلد فيها قلق
اليومين دوول

إنزعجت كثيرا مما سمعت منه وإزداد كلامي حدة وعصبية

- ليه يابني ..هوة إحنا عايشين في عزبة ولا ايه .. في حاجة اسمها يمسكوك عشان مربي دقنك

- ايوة حصلت مع واحد صاحبي ...كان مسافر محافظة تانية ..ونزلوه في كمين وخدوه أمن الدولة وقعد عندهم يومين لحد معرفوا أن ملوش في حاجة وراحو سايبينه

بعد كلماته الأخيرة سادت فترة من الصمت .. ثم أدرت العربية وإنطلقت بها وهو ينظر لي نظرات قلقة فإلتفت له وقلت :

- عشان كدة إنت قلعت الجلابية

نظر لي نظرة توحي بالإيجاب ونظر أمامه وأخذ يحدق في الطريق ... وبعد فترة وصلنا عند أول كمين وعندما قربنا منه نظرت إلى صديقي فوجدت على ملامحه علامات القلق وأخذ يحرك رجليه في حركة إهتزازية جانبية توحي بشدة القلق...أبطأت السيارة حتى أستطبع أن أمشي فوق المطبات الصناعية والمتاريس الموضوعة في الكمين التي توحي بأننا على الحدود مع دولة أخرى ولسنا فقط نذهب من مكان إلى مكان داخل القاهرة.

كان هناك مجموعة من الضباط يجلسون في مكان مظلل يضحكون ويدخنون سجائرهم في شراهة ويرمقون السيارات التي تمر من الكمين بنظرات حادة كفيلة بأن تثير القلق داخل اي شخص عادي...

وأنا أمشي بالسيارة من أمامهم أخت اراقب الضابط وهو يراقب سيارتنا بإهتمام وفجأة اشار إلى أمين الشرطة أن يستوقفنا فأشار لنا الأمين على الفور بالتوقف فوقفت , ورأيت الضابط يأتي نحونا ووقف بجانب الباب الذي يجلس في صديقي وسألني في فظاظة :

- رخصك

فقدمت له رخصة السيارة ورخصة القيادة , فأخذ يقلبهم في يديه وكأنه لم يعجبه أنه وجد
معي أوراق سليمة.. أخذ ينظر لي ولصديقي وفجأة أشار لنا بعصبية قائلا :

- معاكو بطايق؟

فأخرجنا له البطاقات الشخصية وانا انظر لصديقي المسكين الذي أخذ يتصبب عرقا وهو لا ينظر إلى الضابط ...بل ينظر أمامه...أما الضابط أعطانا البطاقات وقد أحسست أنه لم يرضه أنه لم يجد ما يمسكه ضدنا..

- بالسلامة

قالها لنا وكنت على يقين أنه لا يقصدها بالمرة ...

نظرت إلى صديقي وقد وجدت حاله يرثى له وقال لي :

- أنا مش خايف على نفسي ..أنا حتى لو مسكوني وخدوني أمن الدولة ..انا عارف إنهم هيسيبوني بسرعة لأنهم مش هيلاقوا حاجة ضدي ...انا بس قلقان على والدتي ...لو حصلت حاجة زي دي ممكن ترووح فيها ...وانت عارف هية أعصابها خفيفة قد أيه

شردت طويلا ...وانا أمشي بالسيارة حتى بعد أن وصلنا إلى صديقنا وجلسنا معه ...لم أكن معهم...كنت أفكر في هذه البلد وما آلت إليه... كيف أصبحنا

أغرابا
داخل أوطاننا ....كيف إستطاع هذا النظام الحاكم أن يرهب شعبا بأكمله ...كيف إستطاع أن يزرع الخوف والقلق والحيرة داخل نفوس الأفراد ...بدلا من أن يزرع الطمأنينة والأستقرار الذين هم من مرافات كلمة وطن.. كبف إستطاعت السلطة التنفيذية متمثلة في الشرطة أن تجثم على صدور المواطنين ...وتعطي نفسها حقوقا وإمتيازات ليست من حقهم...

لقد أصبحنا أغرابا في أوطاننا ... لمجرد أني ألبس الجلباب ...أو لمجرد أني مطلق للحيتي...أصبح الخوف يلازمني في كل تنقلاتي ...وأين ...داخل وطني ...هل سيفرضون علينا نمط حياتهم ...هل سيفرضون علينا ما نرتدي ..وهل سيفرضون علينا مظهرنا....بل سيفرضون علينا ما نأكل ونشرب أيضا ...

إذا فلنبحث عن وطن آخر..نشعر فيه بأبسط الحقوق ...

وهو حقي أن أكون إنسان حر الإرادة


10 Comments:

  • At 2:29 PM , Blogger Veeeva said...

    لا اله الا الله

    أنت عارف, أنا أخويا برضه زي صاحبك ملتحي و مش عارف يروح الجامعة من غير ما يوقفوه علي الباب علي الأقل 10 دقائق فا بفي يضطر يلبس قميص و بنطلون

    بجد حاجة مستفزة جدا...يعني ايه الواحد ميعرفش يلبس اللي هوا عايزه؟ البنات لو جم الجامعة ببدلة رفص هيدخلوهوم عااااااااادي ..لكن لما واحد يبقي ملتزم يطلعوا عينه

    لا حول و لا قوة الا بالله

     
  • At 3:38 PM , Blogger rony said...

    والله يعنى هى جات على اللبس...ماكل حاجه ماشيه غلط اشمعنى ده اللى هايبقى صح يعنى
    وبعدين لمعلوماتكم الاخت المشهوره الموقره روبى حاولت تدخل حرم جامعه بنى سويف بما يشابه الالبس والامن وقفها على الباب ومرضيش يدخلها واحنا كنا فى بنى سويف يعنى...اه كل ده مش حريه بس الحريه انك متأذيش غيرك
    الموضوع مش لحيه او جلباب او حتى بدله رقص المشكله فينا احنا خضوعنا وخنوعنا فوق مطالبتنا بحريتنا
    لما يتقبض عليا ياجماعه ابقوا اسالوا عليا

     
  • At 5:36 AM , Blogger salateenoo said...

    still breathing :

    انا بصراحة مش عارف ليه الرعب اللي همة فيه من الإلتزام ...والتدين....هل كل الملتزمين متطرفين...لأ طبعا...وبعدين مهم عندهم قوائم طويلة بأسامي المتطرفين....يعني بصراحة بقت حاجة تخنق...؟

    rony :

    همة مرضيوش يدخلوها عشان هية في بني سويف ...يعني برده يعتبر صعيد ...وبعدين هية روبي لسة محولتش من جامعة بني سويف ...دي دخلت الجامعة في بني سويف وانا كنت في سنة تالتة ....تقريبا سنة 98...انا قلت دي أكيد هتحول على طول....غريبة فعلا...وكانت لما بتيجي كانت بتقلب الجامعة \...طبعا لأن لبسها كان...أوووفر ..أوووفر....على رأي محمد هنيدي....وبعدين كانت طبعا مشهورة ....مع انها كانت لسة بتعمل إعلانات بس.....وطبعا في بني سويف لما يشوفو حاجة زي دي بالنسبة ليهم....انتي اكيد فاهمة بقى ...

    وعموما لو اتقبض عليكي ... متقلقيش.... انا مجهز العيش والحلاوة....وهبقى أزورك

     
  • At 12:59 PM , Blogger rony said...

    والله ياجماعه مش مسأله بنى سويف ولا كفر ابوطشت بس يعنى الاداب العامه لازم تحترم فى كل حته
    وبعدين انا مش بحب الحلاوه ممكن شيكى دودو

     
  • At 3:39 PM , Blogger Nohaz said...

    هو انا لازم افكرك ان اخر الزمان الي ماسك علي دينة زي الي ماسك علي جمرة؟؟؟

     
  • At 6:13 PM , Anonymous Anonymous said...

    This comment has been removed by a blog administrator.

     
  • At 1:48 PM , Blogger Jannah said...

    الله يحمى صاحبك و يحميك

    حاجة تحزن والله, مش قادرة اقول اكثر من كده

     
  • At 6:11 AM , Blogger Rivendell** said...

    حكومة عايزة الحرق بصحيح ... حسبي الله ونعم الوكيل

     
  • At 1:44 PM , Blogger mariam said...

    انا سمعت مواقف شبيهة اكتر من مرة. فهم يصادرون الحريات بشكل مستفز.
    بس اسمحلى اعترض على حكاية نبحث عن وطن آخر دى. لأن دى بلدنا احنا و هما اللى هييجى يوم يبحثوا فيه عن وطن آخر.
    تحياتى

     
  • At 8:23 PM , Blogger LAMIA MAHMOUD said...

    فكرتني بمرة كنت رايحة عند اختي في العاشر من رمضان
    وكانت اول مرة اروح لوحدي
    وكنت راكبة ميكروباص كل اللي في الميكروباص كانو عائلات وبنات وشباب روش
    وواحد بس قاعد قدام ملتحي
    نزلوه في كمين وبطاقتك وشمر كم القميص ولحد النهاردة مش فاهمة ليه يشمر كم القميص المهم انه طلع تاني بالسلامة وكل اللي راكبين بيخبطوا كف بكف

    رغم اني بشوف بنات من لبسها لازم تمسك اداب وبتمشي عادي خالص
    وشباب لا يمت للرجولة بصلة وبرضه عادي

     

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home